الرئيسية - تقارير وإستطلاعات - طهران تعترف: "كان أقرب إلينا من آذاننا".. تفاصيل إختراق "الموساد" الواسع للعمق الإيراني
طهران تعترف: "كان أقرب إلينا من آذاننا".. تفاصيل إختراق "الموساد" الواسع للعمق الإيراني
الساعة 08:15 مساءاً (تقرير / المنارة نت)

نجحت إسرائيل، عبر عملية تجسس واسعة النطاق في إيران، في تصفية الكثير من القادة العسكريين والعلماء النوويين الإيرانيين، وضرب العديد من المنشآت والمواقع العسكرية والاستخبارية والاقتصادية في عدة مناطق إيرانية، خلال ساعات قليلة فجر الجمعة 13 يونيو الجاري.

وقبل الاختراق الذي بلغ مداه في 13 يونيو، دق مسؤولون وقادة إيرانيون سابقون، نواقيس الخطر ، حتى أن رئيس وزارة الاستخبارات الأسبق علي يونسي، أعلن قائلًا أن "الموساد أقرب إلينا من آذاننا".

الرئيس الإيراني الأسبق محمود أحمدي نجاد، كان رأى هو الآخر أن تغلغل جهاز الاستخبارات الخارجية الإسرائيلي، وصل إلى حد اختراق وحدات مكافحة التجسس الإيرانية.

كيف تمكن الموساد من "الاستشراء" بهذه الدرجة؟

مثل هذه الاستخبارات المضادة تعد بمثابة "الجهاز المناعي" الحيوي وبوابة الصد الأخيرة، فكيف تمكن "الموساد" الإسرائيلي، من "الاستشراء" بهذه الدرجة؟ وما الوسائل التي مكنته من تنفيذ هجماته الأخيرة الخطرة من الداخل الإيراني، بل وفي قلب طهران؟

التحدي الأكبر أن رئيس الموساد ديفيد بارنيع نشر في 25 يونيو 2025 مقطعا صوتيا خاطب فيه عملاءه في الداخل الإيراني بالقول: "سنكون هناك كما كنا فيما سبق"، مؤكدا أن الموساد كان يستعد لأشهر وسنوات "للقيام بما هو ضروري في الوقت المناسب".

وأضاف رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي (الموساد) في منشوره قائلا: "لقد أدركنا أهمية ساعة المصير".

علاوة على ذلك، كشف بارنيع، أن "الموساد" تعاون في هذه العمليات الطويلة الأمد لاختراق الداخل الإيراني مع الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية ووكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، بتوجيهه الشكر إلى الجهازين على "تعاونهما".

إختراق واسع للعمق الإيراني

وقالت تقارير أمنية وإعلامية غربية وإسرائيلية، إنه في عملية استخباراتية غير مسبوقة، نجاح جهاز "الموساد" الإسرائيلي في تنفيذ اختراق واسع النطاق للعمق الإيراني، شمل إنشاء قواعد عسكرية سرية داخل الأراضي الإيرانية، وتهريب طائرات مسيّرة مفخخة، وتنفيذ عمليات دقيقة استهدفت منشآت عسكرية ونووية، بالإضافة إلى اغتيالات طالت قادة بارزين وعلماء في مجال الذرة.

"عملية البياجر"!

فيما تعيد تفاصيل العملية الإسرائيلية الأخيرة داخل إيران إلى الأذهان "عملية البايجر" الشهيرة في لبنان، يبدو أن طهران تعيش نسختها الخاصة من الصدمة الأمنية تحت اسم جديد قد لا يُنسى: "بايجر إيران".

ويثير هذا الاختراق النوعي سؤالاً جوهرياً: كيف لدولة مثل إيران، لطالما قدّمت نفسها كقوّة إقليمية عظمى، وتفاخر بقدراتها العسكرية، أن تخترق بهذا الشكل العميق من قبل جهاز استخبارات؟ كيف لإسرائيل، التي يسخر منها الإعلام الإيراني ويصفها بأنها "العدو الصغير"، أن تخترق عمق الجمهورية الإسلامية، وتنشئ قواعد عسكرية داخل أراضيها، وتنفذ عمليات اغتيال وتدمير دقيقة من الداخل؟

وفي تقرير نشرته وكالة "الأسوشيتد برس"، بهذا الخصوص، كشف أن إسرائيل استخدمت الجواسيس واستعانت بالذكاء الاصطناعي أثناء الإعداد لعمليات هجوم "الأسد الصاعد".

سنوات التحضير

بحسب ما نقلته شبكة "أي بي سي نيوز" عن مصدر أمني إسرائيلي، فإن العملية الأخيرة لم تكن وليدة اللحظة، بل ثمرة سنوات من العمل السري داخل الأراضي الإيرانية، تصل إلى نحو 3 سنوات.

إنشاء قاعدة عسكرية داخل إيران

"الموساد"، وفق المصدر، أنشأ قاعدة عسكرية داخل إيران مخصصة للطائرات المسيّرة المفخخة، تم تهريب هذه المسيّرات عبر قنوات تجارية متعددة مثل الشاحنات وناقلات النفط، ووُضِعت في أماكن استراتيجية بانتظار لحظة الهجوم.

وبحسب صحيفة "وول ستريت جورنال"، استخدمت وسائل تنكرية متعددة لتهريب أجزاء الطائرات والذخائر، منها حقائب السفر والشحنات التجارية. وبعد تجميعها داخل إيران، وزعت على فرق خاصة تم تدريب قادتها في دولة ثالثة قبل أن يتولّوا تدريب الوحدات المحلية.

كيف نُفذ الهجوم؟

في يوم الهجوم، قامت فرق من العملاء المحليين الذين يعملون لمصلحة "الموساد"، بتمركز استراتيجي قرب أنظمة الدفاع الجوي الإيرانية ومواقع إطلاق الصواريخ الباليستية، خصوصاً في قاعدة "إسفاج أباد" قرب طهران. تم تعطيل بعض أنظمة الدفاع الجوي الإيرانية باستخدام تقنيات هجومية دقيقة نُشرت على الأرض سابقاً داخل مركبات مدنية.

مع بدء العملية، أُطلقت الطائرات المسيّرة من قواعد سرية داخلية ودمرت منشآت صاروخية ومواقع دفاع جوي، ووفق "الموساد"، فقد استخدم في العملية أنظمة موجهة تم زرعها سابقاً في مناطق مفتوحة قريبة من المواقع العسكرية الحساسة.

وقد بث "الموساد" لاحقاً مقطعاً مصوراً قال إنه يُظهر عميلين على الأراضي الإيرانية ينفذان مهمة هجومية نوعية تستهدف الدفاعات الجوية الإيرانية، ما اعتُبر دليلاً إضافياً على مدى الاختراق الأمني والاستخباراتي.

شبكة تجسس داخل إيران

في تعليق له على العملية النوعية التي نفّذها "الموساد" داخل الأراضي الإيرانية، رأى النائب اللبناني السابق والعميد المتقاعد وهبي قاطيشا، في حديث صحفي اطلع عليه "المنارة نت"، أن ما حدث لم يكن مجرد إنجاز تقني، بل نتيجة شبكة تجسّس واختراق استخباراتي عميق اعتمد بشكل أساسي على العنصر البشري داخل إيران، معتبراً أن البيئة الداخلية الإيرانية تشكّل عاملاً مساعداً كبيراً في هذا النوع من العمليات.

وقال قاطيشا: "لا أريد أن أتحدث كثيراً في الجانب التقني، رغم أهميته، لكن الأهم بالنسبة لي هو البعد البشري، أي دور الجواسيس. هذا هو العنصر الحاسم في عمليات مماثلة، خصوصاً في بلد واسع ومعقد مثل إيران. فوجود الجواسيس ليس تفصيلاً، بل ضرورة".

دور الإضطهاد والتهميش

وأشار إلى أن "إيران، بسبب تركيبتها الإثنية المتنوعة، تُعدّ بيئة خصبة للتجنيد والعمل الاستخباراتي. فـ51 في المئة فقط من السكان ينتمون إلى العرق الفارسي، في حين أن باقي المكونات من أكراد وبلوش وتركمان وأذريين وغيرهم، يشعرون بالاضطهاد والتهميش داخل الدولة. هذا الاضطهاد يدفع كثيرين إلى التعاون مع أي طرف خارجي، سواء كان عدواً أو لا، ما يوفر أرضية خصبة للتجنيد الأمني والاستخباراتي".

وأضاف: "إلى جانب البعد العرقي، هناك البعد الديني أيضاً، فالكثير من أبناء هذه الأقليات لا ينتمون للمذهب الشيعي الحاكم، وبعضهم من السنة أو من غير المتدينين، ما يجعلهم في مواجهة مباشرة مع النظام العقائدي القائم، ويعزز احتمال تعاونهم مع أطراف خارجية".

وأكد قاطيشا أن العملية الأخيرة لم تكن فقط نتيجة دخول عناصر إسرائيلية إلى إيران، بل ثمرة عمل عملاء محلّيين تم تجنيدهم وتشغيلهم داخل إيران منذ زمن بعيد. هؤلاء نفذوا العمليات ونسقوا الهجمات، خصوصاً في ما يتعلق باستخدام المسيّرات المتطورة التي استهدفت مواقع الدفاع الجوي ومنصات الصواريخ.

وعن مدى تعقيد هذه العملية، قال: "نحن نتحدث عن عمل معقد جداً، يتطلب خبرات، وتدريب، وتخطيط طويل المدى. المسيّرات المستخدمة ليست واحدة أو اثنتين، بل عدد كبير منها، وهذا يعني أن هناك قاعدة تشغيل كبيرة، وخبراء، وتقنيات متطورة".

وفي ردّه على سؤال حول المدة التي قد تستغرقها عملية بهذا الحجم للإعداد، أجاب قاطيشا: "هذه النوعية من العمليات لا تُحضّر بين ليلة وضحاها، بل تحتاج على الأقل إلى سنة أو سنة ونصف من التحضير، بين التسلل، والتخزين، والتدريب، والتنسيق. والأهم هو أن إسرائيل لم تبدأ هذا العمل من الصفر، بل تملك جذوراً قديمة داخل إيران، تعود إلى ما قبل سقوط نظام الشاه عام 1979، حين كان لإسرائيل ملحق عسكري في طهران".

"صفعة أمنية وسياسية قوية للنظام الإيراني"

وتابع قاطيشا بالقول: "الاختراق الإسرائيلي لإيران ليس لحظة عابرة، بل عملية تراكمية طويلة، استندت إلى استغلال الانقسامات الداخلية العرقية والدينية، وتفوق استخباراتي، وتقنيات عالية الدقة. ما حدث ليس فقط اختراقاً عسكرياً، بل صفعة أمنية وسياسية قوية للنظام الإيراني".

هشاشة "القلعة المحصّنة"!

وختم قائلًا :"إذا كانت إيران تروّج دوماً بأنها "قلعة محصّنة"، فإن هذه العملية تكشف هشاشة تلك القلعة، ليس فقط أمام التكنولوجيا المتطورة، بل أمام الانقسام الداخلي وفشل النظام في توحيد مكوناته. وهذا ما جعل من الداخل الإيراني بيئة سهلة للاختراق، حتى من قبل عدوّه الإسرائيلي الذي لطالما قلّل من شأنه في خطابه السياسي والإعلامي.

وتؤكد التقارير، أن بعض الطائرات المسيرة الصغيرة التي استخدمت في الهجوم صنعت داخل إيران، فيما استجلبت سرا مكوناتها الإلكترونية من الأسواق القريبة من إيران. بحسب التقارير.

بالنسبة للعملاء تقول التقارير إن الموساد اعتمد بشكل كبير على الإيرانيين المقيمين في الداخل وعلى بعض أفراد الشتات، وعلى أفراد ينتمون إلى أقليات عرقية معادية للنظام. شُكلت خلايا من هؤلاء وكان بعضهم يعمل تحت غطاء شركات وهمية.

صحيفة وول ستريت جورنال تشير إلى أن الموساد استخدم 42 عربة محملة بأسراب من الطائرات المسيرة لتدمير الدفاعات الجوية وأنظمة الاتصالات الإيرانية، إضافة إلى 12 مركبة محملة بأنواع أخرى من المسيرات لمهاجمة شقق القادة العسكريين والعلماء النوويين. عدد من هؤلاء قتلوا "في منازلهم على أسرتهم".

في ذات الوقت، قامت الطائرات الإسرائيلية المتطورة بعمليات "إسكات" وتدمير مواقع الدفاع الجوي الإيرانية الهامة. تحييد الدفاعات الجوية الأرضية الإيرانية منح الإسرائيليين حماية إضافية وضمن لسلاح الجو الإسرائيلي حرية الحركة وضرب أهدافه دون مقاومة فعالة.

عن استخدام الذكاء الاصطناعي في عملية الاختراق والهجوم، علّق الصحفي الروسي إيغور ديميترييف قائلا إن ما جرى يمكن أن يسمى "الظهور الأول للذكاء الاصطناعي في الحرب، والذي يضمن التنسيق متعدد الأبعاد والدقة وسرعة اتخاذ القرار".

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر