الرئيسية - تقارير وإستطلاعات - مأساة مستمرة .. مديريتي "ناطع" و "نعمان" في البيضاء حولتها مليشيات الحوثي إلى سجن معزول عن العالم!
مأساة مستمرة .. مديريتي "ناطع" و "نعمان" في البيضاء حولتها مليشيات الحوثي إلى سجن معزول عن العالم!
الساعة 11:17 صباحاً (المنارة نت .متابعات)

في محافظة البيضاء، ثمة مأساة مستمرة منذ أكثر من خمسة شهور، لم يسلط عليها الإعلام الضوء كما ينبغي، ولم تيمم المنظمات الإنسانية والحقوقية وجهها نحوها، بسبب حالة العزلة التي فرضها الحوثيون عليها، منذ يناير الماضي2022.

عشرات القرى في مديريتي ناطع ونعمان، الواقعتين شمال شرق البيضاء (وسط اليمن)، يعيش فيها آلاف المواطنين أوضاعاً سيئة بسبب العزلة والحصار، جراء تفجير مليشيا الحوثي الجسور والعبارات في عقبتي "القنذع" بمديرية "نعمان" و"مالح" بمديرية "ناطع"، التي تربط مناطقهم بمحافظة شبوة، وزراعة تلك المناطق بالألغام، خشية تقدم القوات الحكومية إبان العملية العسكرية التي أطلقتها تلك القوات بدعم من التحالف مطلع العام الجاري.

وأصبحت الألغام المنتشرة بكثافة، سبباً في سقوط عدد من الضحايا المدنيين، منهم ثلاثة أطفال في مديرية "نعمان"، إضافة إلى تدمير عربات وممتلكات تابعة لمواطنين في مديرية "ناطع"، والتسبب بإغلاق تلك المناطق وجعل التنقل عبرها شبه مستحيل.

لم تكتف مليشيا الحوثي، وفقاً لمسؤلي السلطة المحلية في مديريتي "ناطع" و"نعمان" بذلك، بل قامت بقطع الاتصالات والإنترنت عن تلك المناطق، ومنذ ذلك الحين، يقبع السكان في عزلة تامة، لا أحد يعلم ما يحدث في مناطقهم، ولا هم يعلمون ما يحدث خارجها، إلا ما يأتيهم عبر المسافرين القادمين مشياً على الأقدام من أسواق "بيحان" للحصول على الحاجيات، على ظهور الحمير.

بداية القصة

أطلق الجيش اليمني عدة عمليات عسكرية لتحرير مديريتي "ناطع" و"نعمان"، ومديريات أخرى بمحافظة البيضاء، أولى تلك العمليات كانت أواخر العام ٢٠١٧، حيث نجح الجيش اليمني بمساعدة رجال المقاومة في السيطرة على ناطع، وسرعان ما عاود الحوثيون السيطرة عليها.

 

في فبراير من العام ٢٠١٨، أطلق الجيش اليمني عملية مماثلة للسيطرة على المديرية، لكن دون تحقيق تقدم يذكر، ثم في منتصف العام ٢٠١٩، تحركت وحدات حكومية لتحرير البيضاء بشكل عام وكانت نتائج تلك العملية محدودة أيضاً.

وصولاً إلى منتصف العام ٢٠٢١، حينما تمكنت القوات الحكومية بإسناد من الطيران في السيطرة على أجزاء واسعة من "ناطع" ضمن عملية عرفت إعلامياً بـ "النجم الثاقب"، لتستعيدها مليشيا الحوثي في يوليو من نفس العام، في عملية أطلقوا عليها عملية "الفجر المبين".

وفي مطلع العام الجاري ٢٠٢٢، وتحديداً في شهر يناير، أطلق التحالف عملية أسماها "حرية اليمن السعيد"، وشاركت فيها قوات من ألوية العمالقة والجيش اليمني، وفعلاً نجحت تلك القوات في بسط سيطرتها على قرابة ٧٠ بالمائة من مساحة ناطع ونعمان.

لكن مليشيا الحوثي خلال تلك الفترة، فجرت الجسور في الطرق، كما زرعت الألغام على امتداد الطرقات الفرعية بينما أصبح مستحيلاً التنقل عبر الطرق الرئيسية الإسفلتية، بسبب إعلانها مناطق عمليات عسكرية من قبل التحالف آنذاك، ومن هنا بدأت قصة المعاناة التي لم تنته حتى اليوم.

 

خارطة السيطرة

 

لا يوجد في "ناطع" عزلة محررة بالكامل، باستثناء عزلة "مسور"، بينما أغلب عزل المديرية تحت سيطرة مليشيا الحوثي، وهي "الحساء"، وعزلة "ريمة"، عزلة "بارماد"، عزلة "ذي مسنومة"، وعزلة "الدعيمة"، وعزلة "آل سودان"، وعزلة "الغيلة"، وعزلة "آل فرج"، وعزلة "آل منصور"، وعزلة "وحلان"، وعزلة "وعلة آل رقاب".

 

أما في مديرية "نعمان"، فسيطرت المليشيا على أغلب المديرية باستثناء عزلة "الساحة"، والعزل الواقعة تحت سيطرة الحوثي، هي "البديع والجدير وحجراء، وحصير الجار، والرحلة، والغول، واللخف، والمرحاض".

 

لماذا السكان محاصرون؟

 

تساؤلات كثير حول لماذا يمكن وصف الوضع في هذه المناطق بأنه حصار، بالرغم من أن أغلبها تحت سيطرة مليشيا الحوثي، والإجابة، تكمن في الألغام المزروعة بكثافة.

 

إضافة إلى ذلك، فإن تفجير الطرق، دفع السكان للبحث عن طرق بديلة صعبة ووعرة، للتنقل، وهذا الأمر يكلفهم جهداً ووقتاً، ومعاناة، فضلاً عن حالة العزلة المفروضة جراء رفض الحوثي السماح بإصلاح شبكات الاتصالات المتضررة جراء القصف والمعارك التي شهدتها مناطقهم.

 

كارثة الألغام

 

كغيرها من المناطق التي شهدت مواجهات، حولت مليشيا الحوثي أغلب مناطق التماس بين هذه المديريات، وبين شبوة ومأرب إلى حقول ألغام، ما تسبب في تقييد حركة المواطنين، كما تسبب ذلك بسقوط ضحايا من المدنيين.

 

حينما أطلق التحالف والقوات الحكومية، عملية "حرية اليمن السعيد"، فرض حظراً على الحركة في الطرق الرئيسية، لمنع وصول تعزيزات الحوثيين، بينما أقدمت مليشيا الحوثي على زرع الطرق الفرعية بالألغام، كما هو حال الطريق الذي يربط مديرية "نعمان" بمديرية "الوهبية"، خوفاً من تقدم القوات الحكومية نحوها، وهذا الأمر تسبب فيما يشبه الحصار على أغلب سكان المديريتين.

 

كما قامت مليشيا لحوثي بزراعة الألغام في الطريق الذي يربط مديرية "نعمان"، بمديرية "عين" بمحافظة شبوة، واستحدثوا ثكنات عسكرية فيها، فضلاً عن قيامهم بتفجير العبارات والجسور في عقبة "مالح" (التي تربط مديرية ناطع ببيحان)، وعقبة "القنذع" (التي تربط نعمان بمديرية بيحان أيضاً)، لوقف تقدم مزيد من القوات الحكومية في اعقاب تحرير مديريات عين وبيحان وعسيلان بشبوة، وأجزاء من حريب بمحافظة مأرب.

 

يقول مديرية مديرية "ناطع" مسعد الصلاحي، إن معاناة سكان ناطع، بدأت في ١٥ فبراير ٢٠٢٢، وإلى اليوم الحال لم يتغير، يعيش الناس تحت الحصار الذي تسببت به الألغام تحديدا.

 

ويضيف الصلاحي في حديثه لـ"المصدر أونلاين"، "هناك ضحايا جراء الألغام، وهناك أضرار مادية، منها إعطاب ثلاث سيارات، وهناك موجة نزوح حدثت منذ ذلك الحين، مئات الأسر نزحت داخلياً في الشعاب وإلى بيحان المجاورة".

وفي "نعمان"، يقول سيف العواضي مدير مديرية نعمان، إن الحصار مستمر جراء الألغام وحالة الرعب التي يفرضها الحوثيون على السكان، لافتاً إلى أن الألغام تسببت بمقتل ثلاثة أطفال من أبناء المديرية هم "محمد علي عبدربه صالح الجعملي، وبشار علي عبدربه الجعملي، وعبدربه حسين محمد الجعملي"، والذين سقطوا حينما كانوا يرعون الأغنام.

 

العودة لزمن الدواب

 

يقول سيف العواضي في حديثه لـ"المصدر أونلاين"، إن "مديرية نعمان تحد مديرية بيحان، ومديرية عين، ومديرية حريب والعبدية، والطرق التي تربط المديرية بهذه المديريات والمناطق مقطوعة إما بسبب تفجير الجسور، أو بسبب الألغام التي زرعها الحوثيون".

 

ولفت إلى أن أقرب منطقة لجلب احتياجات المواطنين هي بيحان التابعة لمحافظة شبوة، لكن بسبب تفجير عقبة القنذع، وزرع الألغام أصبح الوصول إليها صعباً، ما يدفع السكان للذهاب على متن الدواب للحصول على الاحتياجات عبر طرق وعرة.

 

ويشير العواضي إلى أن الطريق الوحيد المتاح حالياً عبر مديرية السوادية، الواقعة تحت سيطرة مليشيا الحوثيين، الأمر الذي جعل السكان تحت رحمة المليشيا أثناء التنقل والسفر عبره، والكثير وفقاً للعواضي تعرضوا للاختطاف والأذى على يد المسلحين الحوثيين، حيث لا يزال العديد من المواطنين معتقلون حتى لحظة إدلائه بهذا التصريح.

 

وليس الوضع بأفضل حالاً في "ناطع"، حيث أغلبية السكان ممن آثروا البقاء في قراهم، يعانون الأمرين جراء صعوبة التنقل والسفر إلى الأسواق لجلب حاجياتهم الضرورية.

 

يقول مسعد الصلاحي، مدير مديرية "ناطع"، إن السكان في المديرية يعانون من الحصار، ويضطرون لجلب حاجاتهم على ظهور الدواب من بيحان، لافتاً إلى أن الوضع الإنساني صعب، وأن الحوثيين أعادوا هذه المناطق إلى "العصر الحجري"، حسب وصفه.

 

وأضاف "الصلاحي": "الطرق مقطوعة والشعاب ملغمة، وهذا جعل التنقل صعباً، أكثر من عشرين ألف نسمة محاصرين، تنقلهم مشياً على الأقدام، أو على ظهور الحمير، لنقل أغراضهم من بيحان المجاورة، ناشدنا التحالف والشرعية التدخل لوضع حد لهذه المعاناة، لكننا لم نجد أذناً صاغية".

 

عزلة تامة

 

ومع إصرار الحوثيين على بقاء شبكات الاتصالات والانترنت مقطوعة، تصبح هذه المناطق معزولة حرفياً عن العالم.

 

يقول سيف العواضي مدير مديرية نعمان: "تعمدت مليشيا الحوثي قطع تغطية الاتصالات ومنعوا إصلاح الشبكات، حتى لا يطلع العالم على ما يرتكبونه من جرائم".

 

ولفت إلى أن أخبار الانتهاكات في مديرية نعمان، لا تصل إلا عبر المسافرين، ممن يتمكنون من الخروج نحو بيحان، أو نحو مدينة البيضاء عبر مناطق سيطرة الجماعة.

 

مسعد الصلاحي هو الآخر أكد أن الوضع في ناطع لا يقل سوءاً، مشيرا إلى أن قطع شبكات الاتصالات، جعل جرائم المليشيا بعيدة عن التوثيق، وفقا لمدير مديرية ناطع مسعد الصلاحي، ومدير مديرية نعمان سيف العواضي.

 

ويقول الناشط الإعلامي عبدالله الضريبي، لـ"المصدر أونلاين"، إن حملات الاعتقال والتعسفات والمداهمات من قبل الحوثيين لا تتوقف، ولا يمر يوم إلا وهناك اقتحامات للمنازل والقرى.

 

الاختطافات والمداهمات في نعمان لم تتوقف أيضاً وفقا لسيف العواضي مدير عام المديرية، لافتاً إلى أن هناك الكثير غادروا حينما سيطر الحوثي على مناطقهم وقراهم.

 

وأضاف: "هناك ناس عادوا إلى بيوتهم، في مناطق سيطرة المليشيا، وقاموا بملء استمارة العائدين (ورقة تعهد اعتمدتها المليشيا لمن يريد العودة إلى مناطق سيطرتها)، وبعد أن منحوهم الأمان، قاموا باقتحام منازلهم، بل وأطلقوا الرصاص عليهم، وهناك مصابون تم نقلهم للعلاج في مصر بعد تهريبهم مشياً على الأقدام من نعمان إلى بيحان بمحافظة شبوة".

 

كما أشار العواضي إلى أنه تلقى بلاغات من مواطنين بأن الحوثيين يطالبونهم بمغادرة منازلهم، بحجة أن الحرب قادمة قريباً"، مؤكداً أن هذا حدث خلال الأيام القليلة الماضية.

 

نزوح وغياب الإغاثة

 

وفقا لمصادر رسمية (في إدارة مديريتي نعمان وناطع)، فإن قرابة ٨٠٠ أسرة نزحت من المديريتين منذ انتقال المعارك إليهما مطلع العام الجاري، وبعد سيطرة الحوثي على أغلب جغرافيا المديريتين.

 

يؤكد سيف العواضي مدير مديرية نعمان، أن قرابة ٣٠٠ أسرة نزحت إلى بيحان وعتق، بينما البقية لم يتمكنوا بسبب صعوبة التنقل بسبب الألغام، لافتاً إلى غياب في تقديم العون للنازحين، بسبب قلة الإمكانات.

 

قيادة مديريتي نعمان وناطع، وكذا من تواصلنا بهم من أبناء المديريتين، أكدوا خيبة أملهم من غياب الدور الإغاثي والإنساني طيلة الأشهر الماضية.

 

فمنذ وقعت هذه المناطق تحت سيطرة الحوثي في يناير الماضي، صار صعباً على المنظمات الإغاثية المحسوبة على التحالف والشرعية الوصول إلى هناك، ما جعل هذه المناطق خالية من أي عمل إغاثي باستثناء المنظمات المحسوبة على الحوثي.

 

هذه المنظمات وفقاً لتصريحات المسؤولين الحكوميين، لا تقدم معونات إلا للمؤيدين للجماعة، وفق اشتراطات تتعلق بالتجنيد وغيرها من النشاطات التي تخدم الجماعة.

 

يقول سيف العواضي مدير مديرية نعمان: "هناك غياب تام للمنظمات الإنسانية، ليس هناك منظمات تقوم بالنزول الميداني لتوثيق ما يحدث في نعمان وكذلك ناطع، كون هذه المناطق خاضعة لسيطرة الجماعة".

 

التعليم والصحة.. خارج الخدمة

 

تدهور الوضع الإنساني، وطغيان أجواء الحرب والحصار على هذه المنطقة، ألقى بظلاله على الوضع التعليمي وكذلك الصحي. وخلال السنوات الماضية استهدفت الميليشيا  لأكثر من مرة منشأت صحية في المديريتين.

 

يقول الناشط الإعلامي عبدالله الضريبي، إن الوحدات الصحية في ناطع خرجت كليا عن الخدمة، حيث يضطر المواطنون للذهاب مشياً أو باستخدام الحمير للحصول على العناية الطبية في بيحان، أو السفر نحو مدينة البيضاء والتعرض للمضايقات المستمرة.

 

وفي الجانب التعليمي، يرى الضريبي، أن مديرية ناطع، تعاني من الإهمال وعدم صرف رواتب المدرسين، وقلة المرافق المدرسية وعدم كفاية المدارس، وأخيراً سيطرة الحوثي، وما لذلك من تداعيات على المستوى التعليمي، وعلى المناهج التي شرع الحوثيون بتعديلها بمنا يتناسب مع فكرها الدخيل.

 

منذ بداية الانقلاب الحوثي، كانت البيضاء ساحة مفتوحة لجرائم الحوثي، وقرية "خبزة" التابعة لمديرية القريشية، كانت مثالاً صارخاً على إجرام المليشيا وعدائها لهذه المحافظة.

 

ففي أواخر العام ٢٠١٤، اقتحمت مليشيات الحوثي قرية خبزة، وحولوها إلى "أثر بعد عين"، وفق تقارير صحفية، حيث رصدت تقارير حقوقية قيام الحوثيين حينها بقتل ٤٣ مدنياً بينهم نساء وأطفال، كما أصابوا ٨٦ آخرين، كما تحدثت التقارير عن قيام المليشيا بإعدام عدد من المدنيين بعد اختطافهم.

 

كما أقدمت مليشيا الحوثي حينها بتدمير عشرات المنازل كلياً وجزئياً، كما شردت أغلب سكان المنطقة.

 

وليست خبزة الوحيدة، فمديريات الزاهر وآل ردمان، والصومعة والملاجم وغيرها من المحافظات التي شهدت مواجهات كانت ساحة لجرائم حرب حوثية.

 

وكعادتها كانت المليشيا تغلف جرائمها بحق سكان البيضاء بمحاربة القاعدة، مستغلة الصورة النمطية التي جرى تسويقها في الإعلام الخارجي عن تمركز فلول من القاعدة في هذه المحافظة، على الرغم أن التقارير تؤكد أن تواجد القاعدة في المحافظة، يشابه كما هو حال محافظة أبين.

 

وبالرغم من مزاعم الجماعة، إلا أن تقارير صحفية أشارت إلى شراكة وتفاهمات حوثية مع القاعدة في البيضاء، حيث أكد تقرير لمركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، أنه ومنذ عام ٢٠١٦، وحتى أواخر العام ٢٠٢١، أبرم تنظيم القاعدة مع الحوثيين صفقات تم بموجبها الإفراج عن قرابة ٧٠ بالمائة من عناصر القاعدة الأسرى لدى مليشيا الحوثي، فيما كشفت تقارير إعلامية بمشاركة عناصر من القاعدة في القتال إلى جانب الحوثيين ضد القوات الحكومية.

 

* المصدر اونلاين

 

 

 

 

اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر