الرئيسية - حريات - صنعاء.. المدينة العتيقة تقاوم الطائفية رغم القيود الحوثية والقمع الممنهج
صنعاء.. المدينة العتيقة تقاوم الطائفية رغم القيود الحوثية والقمع الممنهج
الساعة 03:16 مساءاً (المنارة نت .متابعات)

«لن يستطيع الحوثيون فرض رؤيتهم المذهبية ولا تغيير المجتمع في صنعاء». بهذه العبارة تلخص منى اليمنية العائدة إلى المدينة بعد ستة أعوام قضتها في دراسة الجامعة في الخارج، وتقول لـ«الشرق الأوسط»: «كنت أتوقع أن أجد وضعا مختلفا، لكن ورغم سيطرة الحوثيين على المساجد ووسائل الإعلام وقطع الرواتب لتجويع الناس ومساعي فرض قيم متطرفة على المجتمع عبر تشكيلاتهم الأمنية من الذكور والإناث، لكن المجتمع قاوم كل ذلك».

وتشرح منى التي فضلت اختيار اسم مستعار للحديث عن معاناتها مع نقاط التفتيش بعد مغادرتها مدينة عدن ودخولها مناطق سيطرة ميليشيات الحوثي، حيث كانت تخضع للاستجواب عن المحرم المرافق لها، ويستهجن القائمون على النقاط كيف أن أسرتها سمحت لها بالسفر وحيدة والبقاء في الخارج هذه المدة للدراسة.

وقالت إنهم في كل نقطة يفتشون حقائبها تفتيشا دقيقا مع أنها حاولت إظهار جواز سفرها وتاريخ وصولها للتأكد من أن حقائبها مليئة بأغراض شخصية لكن محاولتها فشلت.

وتضيف «غادرنا عدن الحادية عشرة ليلا ووصلنا صنعاء قبل المغرب في رحلة معاناة مررنا خلالها بطرق فرعية ضيقة وعانينا فيها الكثير وفي كل نقطة تفتيش يتم مقارنة الركاب بالقوائم التي أرسلت للميليشيات قبل انطلاق الرحلة وبعد ذلك يتم إنزال العفش وتفتيشه قطعة قطعة».

وعما شاهدته خلال أسبوعين من وجودها في صنعاء ولقائها بأهلها وجيرانها تقول: «اكتشفت أن المجتمع يقاوم بقوة، وأن كل ما فعله الحوثيون تحول إلى كره عميق واحتقان قابل للانفجار في أي لحظة، حيث الناس رغم المأساة متكاتفون بشكل غير متوقع رغم الضائقة المعيشية نتيجة قطع المرتبات وتردي الأوضاع الاقتصادية، حيث إن الأقارب والجيران يساعدون بعضهم البعض، حتى رجال شرطة المرور الذين يعملون دون راتب يقوم السائقون بإعطائهم مبالغ مالية بصورة طوعية تقديرا لظروفهم».

هذه الصورة تؤيدها أروى وهي ناشطة نسائية، وتؤكد أن محاولات الحوثيين تقسيم المجتمع على أساس طائفي أو سلالي تواجه بمقاومة كبيرة من المجتمع، مدللة على ذلك بإصرار الناس على أداء صلاة التراويح وبأعداد كبيرة ردا على قرار منعها، وبرفضهم سماع الخطب اليومية لزعيم الميليشيات، رغم أنها تبث في كل محطات الإذاعة والتلفزيون المحلية، ويتم نصب شاشات كبيرة في المساجد والأندية وحتى في السجون لإرغام الناس على سماع ما يقوله، لكنهم في الأخير يسخرون من حديثه.

وقالت أروى: «حديث الناس في الشارع وفي الجلسات وحتى في وسائل النقل العامة يتركز على الجبايات التي تفرض على المحلات التجارية وعلى السكان والفساد غير المسبوق وربط الحوثيين بين الحصول على أسطوانة الغاز ودفع مقرر الزكاة الذي فرض».

ووفق ما ذكرته الناشطة فإن إجراءات الميليشيات الحوثية لمنع الاختلاط في المقاهي الحديثة فشلت، كما أن إلزامها للموظفين بحضور ما تسمى «الدورات الثقافية» فشلت في الترويج للفكر الطائفي السلالي، حيث أكد بعض ممن حضروا هذه الدورات أنهم فعلوا ذلك بغرض الحصول على ترقية أو راتب شهري منتظم، وقالت إن السكان يسخرون في اللقاءات الخاصة مما يقدم في تلك الدورات، بل باتوا أكثر قناعة أن مشروع الميليشيات هو مشروع مذهبي عنصري ونسخة رديئة من نظام الإمامة الذي أطيح به في مطلع الستينات.

ويقول كُتّاب وصحافيون يعيشون في مناطق سيطرة ميليشيات الحوثي إن المجتمع بطبيعته لا يقبل المشاريع الطائفية والعنصرية، لأن لليمن تجربة سيئة مع نظام حكم الإمامة والذي كان سببا في صراعات استمرت عقودا من الزمن، كما أن الأوضاع المأساوية للبلدان العربية التي اكتوت بنيران الأنظمة الطائفية أظهرت مدى الكارثة التي حلت بتلك البلدان وكيف حولتها إلى أدوات بيد نظام الحكم في إيران.

 

وقال أحد الصحافيين المعروفين مشترطا عدم ذكر اسمه بسبب القمع الذي يمارس، إن أكبر مأساة يعيشها السكان في مناطق سيطرة الحوثيين تتجسد اليوم في الجباية القسرية للزكاة وفرض مبالغ كبيرة على الناس والتجار والباعة والمزارعين، حيث أعاد ذلك إلى الأذهان ممارسات نظام حكم الأئمة في شمال البلاد، حيث كان المزارع يبيع أرضه لمندوب الإمام عندما يعجز عن دفع المبالغ المفروضة عليه.

 

ويضيف «اعتقد الناس بشكل عام أنه بعد 60 عاما منذ قيام ثورة 26 سبتمبر والإطاحة بالإمامة فإنه من المستحيل عودتها، لكنها عادت اليوم وبصورة أكثر سوءا».

 

يشار إلى أن الميليشيات الحوثية ومنذ اقتحامها صنعاء قامت بنقل العديد من قياداتها من المحافظات الأخرى إلى العاصمة واشترت لهم مباني سكنية فخمة، وقامت بجلب أعداد كبيرة من أتباعها من صعدة وحجة وبعض مناطق محافظة عمران وأسكنتهم في المدينة ودعمتهم بالأموال لتملك مبان وعقارات بهدف تغيير التركيبة الديموغرافية للمدينة وصبغها طائفيا.

 

كما ألزمت الميليشيات المساجد باعتماد أذان الصلوات وفقا لرؤيتها المذهبية وأوجدت نحو 25 إذاعة محلية إلى جانب ثلاث محطات فضائية والمحطات الإذاعية والتلفزيونية المملوكة للدولة، ونشرت لوحات ضخمة في الشوارع تحمل عبارات مذهبية وصورا لقادتها بهدف تحويل صنعاء إلى مدينة مذهبية بدلا من كونها عاصمة كل اليمنيين.

 

 

 

اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر