الرئيسية - ثقافة - “دين العقل وفقه الواقع” في ندوة حوارية بعمّان
“دين العقل وفقه الواقع” في ندوة حوارية بعمّان
الساعة 03:30 مساءاً (تقرير/ المنارة نت)

التأمت في عمّان ندوة حوارية لمناقشة كتاب المفكّر والأكاديمي العراقي عبد الحسين شعبان، دعا إليها منتدى الفكر العربي الذي يترأسه الأمير الحسن بن طلال.

وافتتح الندوة وزير المالية الاردني الأسبق محمد أبو حمّور الأمين العام للمنتدى، فعرّف بكتاب "دين العقل وفقه الواقع" الذي صدر عن مركز دراسات الوحدة العربية الذي أسسه الراحل خير الدين حسيب، وتناول مناظراته مع الفقيه أحمد الحسني البغدادي.

وأعقبه عمر زين، الأمين العام السابق لإتحاد المحامين العرب والمنسق العام لشبكة السلم الأهلي، فقدّم قراءة للكتاب بعنوان "كتاب موسوعي لمفكّر موسوعي"، ثم البروفيسور شيرزاد النجار، مستشار رئيس وزراء إقليم كوردستان العراقي  للتعليم العالي (سابقا) ورئيس مجلس أمناء جامعة كوردستان، الذي ألقى مداخلةً سلّط فيها ضوءا على المشروع الفكري الباذخ للدكتور شعبان بعنوان: "مشروع طموح لم يكتمل على طريق التنوير والحداثة".

وتحدث بعده وزير الداخلية والثقافة الأردني الأسبق المهندس سمير حباشنة، فألقى مداخلة عن المشروع الفلسفي التنويري الذي يمكن استخلاصه من كتاب شعبان الاستثنائي، لاسيّما ما امتلكه من شجاعة فائقة في تناول العديد من القضايا المسكوت عنها.

ثم أعقبه البروفيسور جمال شلبي رئيس اللجنة العلمية في الجامعة الهاشمية فألقى بحثا عن كتاب "دين العقل وفقه الواقع" معتبرا إياه كتابا تأسيسيا جريئا حمل نواة مشروع فكري واعد.

وكانت العديد من المداخلات قد شاركت عبر تطبيق (زوم)، حيث قدّم أحمد عبد المجيد رئيس تحرير جريدة الزمان (طبعة العراق) مداخلة بعنوان: "المفكر عبد الحسين شعبان: يدعو الى دين العقل".

كما قدّمت إلهام كلّاب رئيسة جامعة اللّاعنف من باريس مداخلة بعنوان كتاب "دين العقل وفقه الواقع: مغامرة التساؤل ورفعة الروح والقيمة الإنسانية".

ومن بيروت شارك كل من: ليلى شمس الدين أستاذة علم الاجتماع في الجامعة اللبنانية بمداخلة بعنوان: "هل سنشهد تغيّرا في الأحكام يتناغم مع تغيّرات الزمان؟". وقدّمت الشاعرة والإعلامية السورية نوال الحوار مداخلة بعنوان "عبد الحسين شعبان: الدين والعقل ثورة الفكر والتجديد".

واختتم الحوار المفكر عبد الحسين شعبان، فأشار إلى أن أي مشروع يحتاج إلى حامل اجتماعي، مشيرًا إلى أننا نحتاج إلى ثورة ديكارتية لنفض غبار الزمن واخضاع ما لدينا من سلطات ومؤسسات ولغات ومعارف وموروثات وأخلاقيات وقوانين وطرائق تديّن وإيمانيات بعضها لا علاقة له بالدين، إلى النقد حتى وإن كان خروجًا عن المسلمات واليقينيات، والهدف البحث عن الحقيقة. فالدين منظومة قيمية سامية يحتاجها الإنسان، أما التديّن فهو مجموعة ممارسات وشعائر وطقوس.

واضاف: "نحن في عصر العولمة والأسئلة المفتوحة في الفيزياء والذرّة والكيمياء وعلم الجينات والفضاء والالكترونيات والبيئة وعلوم الحرب ووسائل التواصل الاجتماعي والقوى الناعمة، نحن نحتاج إلى مراجعات وإعادة نظر للعديد من القضايا التي عفا عليها الزمن".

وأشار المفكر شعبان إلى أن "العقل أساس الدين، فأي دين حين يتعارض مع العقل، والعقل هبة ربانية على الإنسان أن يحسن استخدامها للخير والسلام والجمال والتسامح والعدالة. أما الأحكام فتتغيّر بتغيّر الأزمان، والدين ينبغي أن يتساوق مع روح العصر والتقدّم".

والكتاب هو عبارة عن مدخل نظري، يدلّك على كيفية قراءة النصوص الدينية بأريحية كبيرة وبُعد نظر، ودراسة تاريخية تأصيلية مرتبطة بالحياة، وفيه يثير الكاتب أسئلة يدعمها بإجابات لتنفتح على أسئلة أخرى في إطار تفاعل وتناسق منهجي لما هو قائم في إشكالات ماضية يعالجها الباحث بروح الحاضر، ومن التراث إلى المعاصرة، علماً بأن الكثير من الأسئلة ما تزال حائرة وأحياناً ملتبسة لدرجة لا يحاول البعض مقاربتها، لكن شعبان بجرأته المعهودة، وأكاديميته المعتبرة، لا يقاربها فحسب، بل يدخل في صميمها من خلال محاورات ومناظرات ومناقشات مع الفقيه أحمد الحسني البغدادي.

يحاول شعبان وهو المفكّر المدني العلماني اليساري العروبي المنفتح أن يضع القضايا الخلافية والانقسامات التي تتردّد على أفواه العامة أحياناً والصراعات الخفية والمعلنة على طاولة البحث، ليشبعها نقاشاً وسجالاً وتقليباً مع الفقيه الديني العروبي الحسني البغدادي، وهذا النقاش حرّ ومتكافئ وملتزم بأدب الحوار، فيتماهى المتحاوران أحياناً ليصبحا شيئاً واحداً أو هكذا يبدو، وأحياناً أخرى يتباعدان وتكون المسافة بين الإثنين ساحة حرّة للقاء مرّة أخرى.

وتكمن أهمية الكتاب بمقدّمته العميقة، ومناظراته الحيّة، في أنه يفتح ملفّات ظلّ الكثير منها مغلقاً، علماً بأن مجتمعاتنا تعيش تفاصيلها في الحاضر، على كل ما فيه من تعصّب وتطرّف وغلو، بل وضياع أيضاً. ويصبح الاقتراب من هذه الملفات ملغوماً ومريباً وأحياناً غير مسموح به، بسبب إدّعاء كلّ فريق أن عقيدته أو مذهبه الأحق فيها، لذلك تجنّبها الكثيرون وغضّوا الطرف عنها، مبتعدين عن وجع الرأس التي تسببها، ولكنها ظلّت تعيش استكانة وركوداً وعدم تجديد ويتراكم عليها الغبار لعقود وقرون من الزمن.

المفكّر شعبان استمراراً في منهجه وكتبه السابقة حول «فقه التسامح في الفكر العربي - الإسلامي» وحول «الإسلام وحقوق الإنسان» و«أغصان الكرمة - المسيحيون العرب» وغيرها توقف عن المسكوت عنه أو المهمل أو الخطير الذي لا يريد أحد الاقتراب منه. 

وحاول أن يقدّم مع محاوره قراءات مختلفة عمّا هو سائد بما يتناسب مع الفكر التنويري التقدمي الذي يحمله وبقراءة واقعية من جهة، واستشرافية من جهة أخرى، وذلك في إطار تعزيز الهويّة الثقافية في حاضرنا توقاً لأن تلعب دوراً مستقبلياً، ولم ينسَ على خلاف كثيرين دور العامل الديني فيها، بل حاول أن يضيء عليه لأن دوره تاريخياً في مجتمعاتنا ولا يمكن إهماله، خصوصاً حين يكون عامل توحيد لمواجهة التحديات الخارجية الاستعمارية، أو عامل تفريق حين يستخدمه البعض لإثارة الحزازات الطائفية والنعرات المذهبية.

لقد طرح شعبان إشكاليات الحداثة بأوسع أبوابها متناولًا الحداثة والتقليد وأهمية الوعي، ولا سيّما التاريخي، ودور الاجتهاد في الإسلام، والعلاقة بين الديني والعلماني، وتوقّف عند شعارات الإسلام دين ودولة، وأهمية إصلاح المجال الديني، واعتبر أن لا إصلاح دون إصلاح الحقل الديني فكراً وخطاباً.

وكانت مناظراته شجاعة، فهو يسأل الفقيه البغدادي: من هو المؤمن ومن هو غير المؤمن؟ ويقول أن ثمة إشارات غامضة تأتيه من السماء تشعره بالطمأنينة فيرتاح لها، سواء أدّى الطقوس والشعائر أم لم يؤدها، ويبحث في العلاقة الملتبسة بين الدين والعنف والدين والإرهاب، ويسأل أين المقدّس وأين المدنّس، هل الأمر للفعل أم للدلالة؟ هذا في (ص67).

ولا ينسى هو والفقيه البغدادي من توجيه النقد لبعض ما يسمّى «برجال الدين»، علماً بأنه في الإسلام لا وجود لمن يطلق عليهم «رجال دين» كما هو في المسيحية (إكليروس)، بل هناك دارسون وباحثون، وقلّة قليلة منهم علماء كما يقول، وما نطلق عليه رجال الدين بينهم الصالح والطالح، فهم بشر مثل الآخرين يصيبون ويخطئون كما جاء في (ص 109).

وينتقد كاتبنا مبدأ التقليد، بوضع وسيط بين الإنسان وخالقه، وقد منح الله البشر عقولاً وهذه هبة ربانية لا ينبغي إيكالها أو إعارتها إلى أحد أو تكليفه بمهمّة التفكير نيابة عنه. وهذا حسب رأيه إستقالة من العقل.

ويطرح المفكر العراقي العربي شعبان، سؤالاً محورياً جريئاً يشرك فيه محاوره: هل الفتوى ضرورية؟ وماذا إذا كانت مفرّقة ومن له الحق في إصدارها؟ بما له علاقة بما هو حاصل من فتنة طائفية ومذهبية بالضدّ من المواطنة المتساوية التي يركّز عليها الكتاب في مفاصل عديدة بطريقة منهجية وأكاديمية وحس عروبي.

ويناقش الكتاب بعض الهموم العراقية بشأن الأوقاف واستغلال القوى الغربية الاستعمارية احتلال العراق للتفريق بين المجموعات الثقافية تحت عنوان «المكوّنات» التي يرفضها رفضًا قاطعاً ويبيّن خطرها القانوني والاجتماعي وخطرها السياسي على وحدة العراق ومستقبله، وهي التي كرّست بالدستور.

ويناقش الفقيه البغدادي حول حقوق الأكراد، ففي حين يذهب هو بعيداً في تبنّي فكرة الفدرالية قانونياً، ويعرض مزاياها بالصورة التي يضعها في إطار الفقه الدستوري، ولا يقصد بذلك بوضعها الحاضر، وإنما بمضمونها القانوني المستقبلي الذي يحتاج إلى تغيير الدستور الطائفي القائم على المحاصصة، يتحفّظ البغدادي عليها، وربما هناك تحفّظ عربي حول استغلالها لأغراض إنفصالية، تقف «إسرائيل» والقوى الغربية خلفها مباشرة أو بصورة غير مباشرة وفق ما جاء (ص 189 – 197).

ويلامس شعبان قضايا ذات حساسية عالية، مثل هل المرأة ناقصة عقلاً وديناً؟ وهل هي عورة؟ ويبسط القوانين التي تنصف المرأة مثل قانون الأحوال الشخصية العراقي رقم 188 لسنة 1959 وينتقد بشدّة ما سميّ قانون الأحوال الشخصية الجعفري التي تبنّته القوى التي تريد تكريس الاستقطاب الطائفي والذي أثار لغطاً واسعاً وفق ما جاء في (ص 237).

كما بحث في قضايا الردّة والمرتد والنجاسة والطهارة والعصمة والمعصوم وعلم الغيب، وجميعها مواضيع مثيرة وبعضها يُبحث لأول مرّة عبر حوار أكاديمي معرفي فقهي قانوني مفتوح وجرئ وهادف في الآن، وبلغة سلسة وعميقة ومؤثرة. ولعلّ ذلك يحتاج إلى مداخلات أوسع.

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر