باهرة الشيخلي
الطبقة السياسية العراقية على حافة الهاوية
الساعة 03:30 مساءاً
باهرة الشيخلي
يبدو أن الانتفاضة العراقية لن تتوقف، فالنظام العراقي هش وضعيف أمامها وقد زاده استعمال العنف والقمع الدموي هشاشة وضعفا، وكلما أراد النظام التفاوض مع المحتجين أرسل إليه المحتجون أسماء مفاوضين عنهم، فيكتشف النظام أن الأسماء المرسلة هي أسماء شهداء قضوا على يد قواته، ورفع المحتجون في الساحات شعار “الشهيد قائدنا”.

وفضلا عن ذلك، فإن النظام لم يدرك إلى الآن ماذا يريد المحتجون. فهم في الوقت الذي يحتجون على نظام المحاصصة يوغل النظام في التمسك بالمحاصصة، وعندما يحتجون على خدمته للنظام الإيراني يزيد من اعتماده على النظام الإيراني ويستقبل رمز الإرهاب قاسم سليماني، قائد فيلق القدس الإيراني في بغداد، ويرسل إلى المحتجين معمّمين بصفتهم شخصيات مؤثرة ومحترمة في المجتمع ليتفاوضوا معهم، فيجابهون الطرد من المحتجين. وباختصار شديد، فإن هذا النظام أصبح خارج دائرة الزمن ولم يدرك المتغيرات التي طرأت على المجتمع العراقي، والتي أحدثتها سياساته الخاطئة، حيث أحرق العمامة، سنية كانت أم شيعية، باختبائه خلفها عندما يقمع ويظلم. استقال رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي وتوهمت الطبقة السياسية أن استقالته ستحد من عنفوان الانتفاضة ويعود المحتجون إلى بيوتهم، وهذا كان من ضمن عدم إدراكه لمطالب المنتفضين، فهم يتمسكون بإزاحة كل الطبقة السياسية التي جاءت بعد عام الاحتلال 2003، وقد عبّر عن ذلك هتافهم القائل “شلع قلع والذي قالها وإياهم”، مشيرين بذلك إلى زعيم التيار الصدري، الذي يحاول جاهدا اختراق الاحتجاجات لإفشالها، مثل كل مرة، ولم يفلح.

 معلوم أن مقتدى الصدر يريد أن يقرّب النار إلى رغيفه لكي ينضج قبل أرغفة الآخرين، كما يقول المثل العراقي الدارج، ولكنه هذه المرة اصطدم بوعي شعبي غير مسبوق، بل أن الكثير ممن كانوا يتبعونه انصرفوا عنه والتحقوا بالاحتجاجات ولقي عدد منهم مصرعه على يد ميليشيات إيران والقوات الأمنية الحكومية أثناء الاحتجاجات السلمية.

 وللطرافة فإن أحد المحتجين في ساحة التحرير رفع رقعة كبيرة كتب عليها “يسقط رئيس الوزراء الجديد.. الاحتياط واجب”، ومهما كانت الطرافة في هذه الرقعة لكن مغزاها واضح، وهو أن الفاسدين سيختارون فاسدا من بينهم، أو تختاره لهم طهران. فمن الآن نرفع شعار إسقاطه لأن الاحتياط واجب، وقد كتب صحافي معروف على صفحته في وسائل التواصل الاجتماعي ترجمة لهذا يقول “أيها العراقيون لا تقبلوا برئيس حكومة فاسد يختاره الفاسدون وطالبوا أن يكون البديل عن وكلاء إيران حكومة إنقاذ وطنية أنتم من يختارها”.

 ويرفض المتظاهرون في ساحات الاحتجاج تعيين رئيس حكومة جديد من الطبقة السياسية الفاسدة، ويؤكدون أنهم سيقدمون قائمة أسماء لرئيس البلاد، يقترحونها بهذا الخصوص خلفا لعادل عبدالمهدي، وطمأنوا العراقيين أن التظاهرات لن تتأثر بتدخل قائد فيلق القدس سليماني أو غيره، وصرح أحد قادة الحراك “نحن لا نثق بالجماعة السياسية، وهي لن تستطيع تمرير مخططاتها علينا هذه المرة. لن نقبل بأقل من تحقيق مطالبنا المحقة مهما حاولوا”.

 ومطالب المتظاهرين الأساس تتمثل في تقديم الجناة المتورطين في قتل المتظاهرين إلى العدالة، ثم اختيار رئيس وزراء مستقل مهمته محددة بإقامة انتخابات مبكرة ومفوضية مستقلة للانتخابات، ثم حل البرلمان بعد ذلك.

 وفي خضم القلق الذي يساور الطبقة السياسية العراقية من الاحتجاجات وقوتها، دعا المرجع الديني الشيعي جواد الخالصي القوى السياسية الحاكمة إلى الرحيل من دون رجعة بعد أن رفض الشعب العراقي وجودها، مشددا على أنّ الشعب لا يريد الطبقة السياسية الحاكمة.

 وما أدركته صحيفة “واشنطن بوست”، التي قالت إن العراق يقف على الحافة واستقالة رئيس الوزراء تدخله في أزمة طاحنة، لم يدركه السياسيون العراقيون، فهم مازالوا يتمسكون بالمحاصصة ويبحثون عن الكتلة الأكبر، في حين أن الكتلة الأكبر هم المحتجون، لأنهم يشكلون نسبة الـ80 بالمئة التي عزفت عن الانتخابات الأخيرة، والتي جرّت إلى جانبها نسبة الـ20 بالمئة التي شاركت فيها إلى جانبها في الاحتجاجات العارمة التي شهدتها البلاد، والمتواصلة إلى هذه الساعة.

 إن سبب ممارسة السلطة العراقية والميليشيات العنف المفرط ضد المحتجين هو أن أي انتخابات مبكرة إذا أجريت سيفلسون منها تماما، فالاحتجاجات جعلتهم عراة أمام العالم وفضحت تزويرهم لرأي الشارع العراقي وإرادته.

 العراق على حافة الهاوية فعلا، ولكن الهاوية تنتظر الطبقة السياسية الفاسدة، التي لم تتوقف عن فسادها حتى في ذروة الاحتجاجات ورفض الشارع العراقي لها.

نقلاً عن "العرب"
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر